قبل التحدث عن الحجامة والتي ترتكز أساسا على إخراج " الدم الفاسد" حسب ما هو مشاع بين العامة دعوني أبحر بكم في جولة قصيرة للتعرف على الدم.
الدم هو سائل لزج يسمى البلازما تسبح به عدد من المكونات الدموية ينتجها النخاع العظمي وهي:
** الكريات الحمراء والتي يرتكز دورها أساسا على نقل الأكسجين إلى جميع خلايا الجسم...
** الكريات البيضاء والتي تقوم بالتصدي للأجسام الدخيلة ( المناعة ) ..
** الصفائح الدموية والتي لها دور مهم في إيقاف النزف
إضافة الى العديد والعديد من المكونات المهمة مثل عوامل التختر، هرمونات، بروتينات، أملاح غير عضوية ( الحديد، البوتاسيوم، الكالسيوم، المنغنزيوم،....) ....
أين يوجد الدم ؟
أين يوجد الدم ؟
لا يجري الدم إلا داخل العروق الدموية المختلفة ( شرايين، أوردة، شعيرات دموية )، وهو في حالة حركة مستمرة.
يعتقد العديد من الناس أن الحجامة مفيدة بإخراج الدم الفاسد الذي يترسب تحت الجلد، لكن إذا سلمنا إلى الحقيقة العلمية بان الدم لا يتواجد إلا داخل العروق الدموية فأين يمكن أن نجد هذا الدم الفاسد ؟ علما بأن الدم إن تمركز تحت الجلد لأي سبب من الأسباب فإنه يعطي اللون الأزرق للجلد ( ويمكنكم ملاحظة هذا التلون للجلد عند أخذ عينة من الدم من اجل التحاليل المخبرية او في بعض الحالات بعد التبرع الدم،..... )
والجدير بالذكر ان مناعة الجسم تعتبر هذا الدم ( المتواجد تحت الجلد) جسما غريبا فتقوم بمهاجمته ليختفي تماما بعد مدة معينة.
ما هي الحجامة اذا ؟
الحجامة هي عملية إخراج الدم (باختلاف الطرق)، هذا الدم الذي لا مصدر له إلا العروق الدموية.
هل يستفيد الجسم من إخراج الدم ؟
بطبيعة الحال يستفيد جسم الإنسان من إخراج كمية معينة من الدم وهنا يكمن سر الحجامة، ومن بين هذه الفوائد العلمية نذكر:
** تنشيط النخاع العظمي بإنتاج مكونات دموية جديدة وفتية بدلا من تلك الهرمة التي فقدها الجسم.
** وقاية الجسم من أمراض القلب والشرايين : حيث ان تراكم الحديد فوق الجدار الداخلي للعروق الدموية يسبب مع طول المدة تضيق في قطر الشرايين الذي يمكن أن يؤدي إلى الانسداد التام إذا تفاقمت الحالة.
وإخراج كمية من الكريات الحمراء يصحبه بالضرورة إخراج كمية من الحديد وبفعل تنشيط النخاع العظمي كما ذكرنا يتخلص الجسم من المزيد من الحديد من خلال استعمال هذه المادة في عملية إنتاج كريات الدم الحمراء.
** يفيد إخراج الدم أيضا في بعض حالات الشقيقة الذي يسببه تضيق بعض العروق الدموية الدماغية مما يعيق حركة الكريات الحمراء للوصول بالأكسجين إلى جميع خلايا الدماغ فيسبب صداعا منذرا بهذه الحالة، وتقليص عدد من هذه الكريات ييسر حركتها للوصول بالأكسجين إلى الخلايا رغم ضيق الممر. و هذا ما يفسر الجانب الوقائي لعملية إخراج الدم فيما يخص مرض الشقيقة.
** كما يفيد إخراج بعض الدم من الجسم في حالات الرعاف وقرحة المعدة... حيث أن التقليص من عدد الكريات الحمراء يسهل عمل مكونات البلازما مثل عوامل التخثر من أجل إيقاف النزف و البروتينات الموجودة في البلازما أو المصل من أجل العمل على التئام الجرح.
** ومن بين الاكتشافات الحديثة عن فوائد مادة ERYTHROPOETINE تبين أن المصابين بالسكتة القلبية يستعيدون وعيهم وجميع حركة أعضائهم عندما يتم حقنهم بهذه المادة. في المقابل فإن الآخرين لا يستعيدون وعيهم إلا بعد فترة و تكون عملية استعادة حركة العضلات غير كاملة. فإذن مادة ERYTHROPOETINE ، التي تكون بنسب مرتفعة بعد إخراج الدم ( كما هو مبين في الشكل)، تلعب دورا مركزيا في استرجاع عمل القلب و العضلات بعد السكتة القلبية.
** وأخيرا و ليس آخرا فقد تأكد طبيا أن النقص في مادة الأوكسجين يساعد على تكاثر الخلايا السرطانية. و بالتالي قد يستنتج من هذا أن الجسم الذي يتوفر على الكمية الكافية من مادة الأوكسجين، كما هو الحال عند إخراج الدم بانتظام ، يقاوم بشكل ايجابي خطر توالد و تكاثر الخلايا السرطانية.
عندما نتحدث عن إخراج الدم تحت مسمى الحجامة أو غيرها فإننا نقوم بإخراج كل مكوناته بنسب متفاوتة في تلك العينة، لكن الجدير بالذكر هو أن حجم البلازما يعوض في ظرف 24 ساعة بينما يسترجع الجسم كرياته الحمراء خلال 3 أسابيع وهي المدة التي يستفيد منها الجسم بما ذكرناه من فوائد وغيرها لم نذكرها، كما يسترجع الجسم مخزونة من الحديد خلال شهرين.
تكمن مخاطر الحجامة في تداولها من طرف غير المتخصصين مما يعرض حياة بعض الناس للخطر إما بنقل بعض الأمراض التعفنية في حالة استعمال الآلات الحادة الملوثة بالجراثيم . وإما في حالة ممارسة هذه العملية على بعض المرضى، مثل مرضى الناعور (الهيموفيليا) أو المرضى الذين يأخذون علاج لتخفيف لزوجة الدم، فإن الجراح الناتجة عن الحجامة سوف تكون سببا في حدوث نرف لن يتوقف إلا بعد نفاذ الدم من الجسم أي بعد وفاة الشخص. أضف إلى ذلك أن هناك الكثير من الحالات المرضية كارتفاع ضغط الدم و بعض أمراض القلب و غيرها كثير، تشكل بالنسبة للمتعاطي للحجامة خطرا محدقا بصحته. فإخراج الدم في هذه الحالات قد يؤدي إلىالموت المحقق.
خلاصة
الحجامة وسيلة علاجية و وقائية لا يمكن تجاهلها ان مورست في ظروف علمية جيدة تحت إشراف متخصصين. لكن إن علمنا ان كل الفوائد المذكورة أعلاه يمكن تحصيلها بعد التبرع بالدم ، فلماذا المخاطرة؟ خصوصا وانك بتبرعك بالدم تستفيد صحيا و تحصل بالإضافة إلى ذلك على صدقة جارية بإحياء أنفس عديدة.
فالحجامة وإن كانت وصية نبوية فقد رافقتها من خلال الهدي النبوي العديد من الوصايا الأخرى التي تحث على نكران الذات، وعلى التضامن الاجتماعي، وخدمة الغير بل تقديمه على النفس...فخير الناس من نفع الناس.
قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه
وقال عليه أفضل صلاة وسلام: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني). فما بالكم بمرضى عديدين تتوقف حياتهم على تبرعنا ببعض دمائنا.
قال تعالى : " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " المائدة 32
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم حياة عيادي
خريجة كلية العلوم قسم بيولوجيا
وراجع المادة العلمية
الدكتور محمد بنعجيبة
اخصائي امراض الدم